تاريخ طويل من العلاقات التركية الإيرانية على مدار العقود الماضية وما بين شد وجذب وتقارب ورفض للمواقف، وبعد الأحداث الأخيرة وتحديدا التهديدات التي تتعرض لها تركيا عاد من جديد للواجهة الحديث عن مصير العلاقات بين البلدين بقوة، وهو الحديث الذي لم يكن بتلك القوة بعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب.
تواجه تركيا تهديدات كردية بدأت على حدودها مع سوريا التي تشهد تقدما كرديا على السيطرة والنفوذ هناك. تلاها إعلان تركيا أنها لن تسمح بدولة كردية على حدودها تلاها تهدد كردي للداخل التركي بهجمات إرهابية متواصلة بعد إعلان حزب العمال الكردستاني وفرعه المسلح “بي كاكا” العودة للعمل الإرهابي نهاية يوليو الماضي.
الرد الإيراني على ما تواجهه تركيا من تهديدات كان لافتا، سواء من خلال رسائل الإعلام الإيراني داخليا في حديثها عن تركيا، أو المواقف الرسمية الإيرانية التي ترفض إيران من خلالها هجوم تركيا على الإرهاب على حدودها وتحديدا الكردي ولكنها لم تدين أي من الأعمال الإرهابية الكردية داخل تركيا.
علاقات وثيقة تتميز إيران وتركيا بعلاقات وثيقة، ليس في المجالات الاقتصادية فقط، على أهميتها، ولكن وبلا شك فإنها ترتبط مع تركيا في مصالح سياسية عديدة، من أهمها عدم تشكيل أي دولة تهديداً سياسياً أو أمنياً للدولة الأخرى.
خلافاتيعد أبرز خلاف بين الدولتين في مواقف كل منهما تجاه الثورة السورية التي تعتبرها إيران أكبر تهديد لها وتظل الداعم الأول لنظام الأسد، بينما تساند تركيا الحراك الثوري السوري.
ورغم موقف كلتا الدولتين من الصراع في سوريا ووقوف كل واحدة منهما على طرف نقيض من الموقف الآخر إلا أن المصالح التي تربط إيران بتركيا أكبر من أن تهزها المشاكل البينية مهما كانت، ولكن بشرط أن تكون خارج حدود كلتا الدولتين، ولا تؤثر على الأمن القومي لكلتا الدولتين؛ إيران وتركيا.
وربما الدليل علي ذلك الخلاف بين الدولتين من موقف دول الخليج من الأوضاع في اليمن وبخاصة عملية عاصفة الحزم العسكرية، ورغم اتفاق توقيت العملية العسكرية ضد جماعة الحوثي في اليمن مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لإيران وقتها والتي تعارض تركيا في موقفها تجاه اليمن أيضا إلا أن إيران استقبلت الرئيس التركي بحفاوة.
موقف إيران من دولة كرديةعن الموقف الإيراني من إقامة دولة أو كيان كردي في سوريا، والعلاقات الإيرانية التركية تجاه الموقف. يري الكاتب محمد زاهد جول في مقال له أن السياسة الإيرانية من الممكن أن تدعم إقامة كيان كردي صديق لها في حال سارت سوريا إلى التقسيم، سواء جاء التقسيم بمشروع دولي تتبناه أمريكا والتحالف الدولي، أو بفعل الانهيار الفعلي لنظام الأسد عسكرياً أمام جيوش الثورة السورية.
هذا المشروع التقسيمي لسوريا سوف يخدم الخطة الإيرانية الأخيرة في سوريا في حال عدم قدرتها على الإبقاء على بشار الأسد رئيساً للنظام السوري من الناحية الدولية، فإذا كانت مساعي أمريكا من خلال دعمها لكيان كردي في سوريا سيؤدي إلى تقسيم سوريا فإن الموقف الإيراني سوف يبحث عن مصالح له في هذا التقسيم.
ويلفت الكاتب إلي صلة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وتعاونه الكامل مع بشار الأسد، مؤكدا أن مثل هذا التعاون مع الأكراد لن يتم دون موافقة من إيران، وإن لم يكن رجال إيران في سوريا هم الذين يقومون بدعم هذا التوجه الكردي لإقامة هذا الكيان الكردي، فمصالح إيران ستكون مع إقامة كيان كردي في سوريا من الناحية السياسية
.
.
إيران تصعد الاتهامات ضد تركياتشير المواقف الإيرانية الأخيرة إلي دعمها لدولة كردية علي الحدود التركية، خاصة أنها لم تدين الإرهاب الواقع ضد تركيا فقد انتقد فيروز أبادي رئيس هيئة الأركان الإيرانية ما أسماه “استهداف تركيا للأكراد”، مضيفا أنّ “الأكراد يقاتلون أخطر منظمة على وجه الأرض وهي تنظيم الدولة “داعش”، وإضعاف الأكراد يعني تقوية للتنظيم، والعمليات التي تقودها تركيا ضد الأكراد على الحدود ستزيد من حجم النطاق الذي تسيطر عليه داعش، وستزداد قوتهم على الحدود التركية، وهذا سيشكل خطرا إضافيا على تركيا”.
كما كشف موقع ويكيليكس عن وثائق سرية تفيد بأنّ إيران تقوم بتشجيع رأس النظام السوري “بشار الأسد” للتعاون مع تنظيم حزب العمال الكردستاني وعقد اتفاقيات استراتيجية ضدّ الدّولة التركية.
يضاف لذلك ما قاله علي أكبر ولايتي المستشار للزعيم الروحي الإيراني “علي خامنائي” أن “أمن سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها هو جزء لا يتجزأ من أمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سواء في مواجهة التدخل السعودي الخليجي أو العثماني” واصفا الأسد بأنه “مناضل ميداني في منصب رئيس”.
كما أن تكرار مواقف إيرانية رسمية عبر وصف العمليات التي تقودها تركيا على أنها “ضد الأكراد”، وتجاهلهم لحقيقة أن الهجمات تنفذ ضد حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” في محاولة إيرانية لكسب الأكراد إلى جانبها. إيران تريد أن تقول إنها دولة منفتحة على أكراد المنطقة بينما تركيا “تريد التنسيق مع “داعش” ضد الشعب الكردي في الإقليم!”
وامتد الأمر لمطالبة إيران تركيا بعدم التدخل في شؤون دول الجوار، وبالبحث عن حلٍّ سياسي للأزمة السورية التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة وها هي تعلن على لسان قياداتها مواقفها الحقيقية حيال تركيا ومسار الثورة السورية وتحركات حزب العمال الكردستاني الذي بدأنا نسمع أنه انقسم إلى 3 أجنحة، واحد تحرك باتجاه سوريا وآخر باتجاه إيران وثالث قرر البقاء في قنديل.
حملة إيرانية ضد تركيا.. إعلامياًبدورها شنت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية وغير الرسمية حملة تحاول من خلالها تشويه سمعة تركيا، خصوصا وسائل الإعلام المقرّبة من الحرس الثوري الإيراني.
ويحاول الإعلام الإيراني تضليل الرأي العام من خلال ترويج الادعاء بأن تركيا تدعم الإرهابيين في الشرق الأوسط، لاسيما تنظيم “داعش”، حيث تقوم المواقع المرتبطة بإيران بشكل مباشر وغير مباشر، بنقل الأخبار الملفقة استنادا إلى بعضها البعض.
وبينما تفرد وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، مساحة واسعة لبث الادعاءات والاتهامات حيال تركيا، تتجاهل نشر التصريحات الرسمية للمسؤولين الأتراك التي تدحض الادعاءات.
وعلى سبيل المثال استخدمت صحيفة “كيهان”، المعروفة بقربها من المرشد الأعلى، علي خامنئي، عنوان “تركيا والسعودية وقطر: مركز قيادة داعش”، في عددها الصادر بتاريخ 25 حزيران/يونيو الماضي.
أما وكالة أنباء فارس للأنباء، التي يشرف عليها الحرس الثوري، فقد ركّزت على مزاعم بأن عناصر “داعش” الإرهابية عبرت من الأراضي التركية، لدى مهاجمتها مدينة عين العرب “كوباني” السورية”، في 25 تموز/يوليو الماضي.
إنزعاج إيرانيويقول المراقبون أنه بدا واضحا مدى الانزعاج الكبير لدى أوساط الحكومة الإيرانية، من العمليات التي أطلقتها تركيا خارج حدودها ضد منظمتي “بي كا كا”، و”داعش” الإرهابيتين، وأعرب المسؤولون الإيرانيون عن ذلك بشكل علني، فيما عمل الإعلام الإيراني، على إظهار الموضوع بصورة “اعتداء تركيا على الأراضي السورية، بذريعة الإرهاب”.
كما لجأت الجهات الإيرانية التي تستغل الملف اليمني لتصعيد التوتر الطائفي في المنطقة، إلى العمل على تشويه سمعة تركيا من خلال إظهارها، وكأنها تتحرك بدوافع مذهبية في هذا الموضوع، وذلك من أجل خلق أحكام مسبقة حيال أنقرة، على صعيد اللاعبين الإقليميين.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن أنقرة أعربت لطهران عبر أكثر من وسيلة، عن استيائها من الحملة الإعلامية الرامية لتشويه سمعة تركيا في الإعلام الإيراني، المدعوم من الحكومة، إلا أن المسؤولين الإيرانيين لم يتجاوبوا مع تحذيرات الجانب التركي.
موقف الحزب الكردي “الشعوب الديمقراطي”بعد ثلاثين سنة من الصراع، استطاعت تركيا أن تُذيق الأكراد طعم السلام، من خلال عملية السلام التي أطلقتها الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية، ويؤكد ذلك تطور القطاع الاقتصادي في المناطق الشرقية والجنوب شرقية لتركيا، ومع تشجيع الحكومة لرجال الأعمال شهدت المنطقة نمو الاستثمارات فيها.
يقول مراقبون إنه يصعب تصور عقلية حزب الشعوب الديمقراطي الذي نجح في إدخال 80 نائبا من حزبه إلى قبة البرلمان التركي في معارضة الحزب الحاكم لإيجاد حل للمسألة الكردية.
وحجة إنهاء حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار مع تركيا لأن تركيا تبني سدودا مائية في المناطق الشرقية!؛ إنما هي حجة لأجل الحجة فقط، ولا يوجد سبب حقيقي لإنهاء وقف إطلاق النار، وهو دليل أن حزب العمال الكردستاني اختار الحرب عوض السلام.
ولأن جلّ أصوات حزب الشعوب الديمقراطي استجلبها من المناطق الشرقية، لذا فهو الحزب الأول في هذه المناطق، وتقع على عاتقه مسؤوليات كبيرة، وانطلاقا من هذا الحس، كان لزاما عليه أن يندّد بعمليات حزب العمال الكردستاني الإرهابية، والتي شرعت في اغتيال السكينة والطمأنينة في المناطق الكردية.
هل تحتاج إيران تركيا؟ ويؤكد المراقبون أنه بالنسبة لإيران، سيكون مستحيلًا تجاهل تركيا رغم الخلافات الحادثة مؤخرًا، وهي خلافات طبيعية على أي حال بين قوتين تتنافسان في الشام وبينهما عداوة تاريخية في تلك المنطقة منذ أيام الصراع العثماني الصفوي، حيث يحتاج الإيرانيون إلى الأتراك في ملفات عدة في إطار التعاون الجديد مع الغرب، بيد أن ما يُقلِق أنقرة هو أن تصبح إيران حليفًا على حساب تركيا في إطار المواجهة مع تنظيم الدولة “داعش”، والتي لا تتحمس لها تركيا كما هو واضح نظرًا لوقوف داعش بوجه التمدد الشيعي غربًا، إلا أن الجغرافيا بالطبع تقف حائلًا بوجه تحقيق سيناريو كهذا بشكل شامل، لا سيما وأن مصالح إسرائيل التي لا تزال معادية لإيران موجودة على طاولة الغرب.
تساؤلات مشروعة!تثار تساؤلات عديدة أبرزها أن إيران تسعي إلى التقارب أكثر من بعض الدول الأوروبية، وربما تسعى الآن إلى أنْ تقول للدول الأوروبية أنا موجود بديلا عن تركيا، وهدفها من ذلك التقارب مع الاتحاد الأوروبي متجاوزة الدولة التركية، وخصوصا بعد أنْ أظهرت بعض الدول الأوروبية “حساسيتها” تجاه ملف الأكراد.
كما ترغب إيران بتسريع عملية إنهاء الحصار المفروض على الدولة الإيرانية، ولزيادة اتفاقيات الاستثمار والتجارة، ومن الناحية الاستراتيجية تسعى إيران إلى فتح باب الاتحاد الأوروبي بديلا عن روسيا.
ويؤكد المحللون أنّ إيران تسعى لتعميق حدة التنافس بينها وبين تركيا في المنطقة، وعمليات حزب العمال الكردستاني وحدها تدل على ذلك.
موقف إيران هذا سببه هو اقتراب تركيا أكثر من بعض الدول الأوروبية، وخصوصا فيما يتعلق في مكافحة تنظيم الدولة “داعش” وحزب العمال الكردستاني.
وبالنهاية ستسفر المواقف المقبلة للمسئولين الإيرانيين والدولة الإيرانية عن رغبتها في الاقتراب من تركيا سياسيا واقتصاديا وبناء تحالفات مشتركة أم خلق مزيد من التباعد والرفض عبر التصريحات الغير مسئولة